• Accueil
  • > La face cachée
  • > Maroc :Le cauchemar de Abderrahim Ariri عبد الرحيم أريري : ثمانية أيام في معتقل المعاريف

Maroc :Le cauchemar de Abderrahim Ariri عبد الرحيم أريري : ثمانية أيام في معتقل المعاريف

11 09 2007

Image de prévisualisation YouTube

 

Maroc :Le cauchemar de Abderrahim Ariri عبد الرحيم أريري : ثمانية أيام في معتقل المعاريف dans La face cachée 16922111_p

حددت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء يوم غد الثلاثاء 11 سبتمبر 2007 للنظر في قضية جريدة « الوطن الآن » وذلك  بالقاعة رقم 9 على الساعة التاسعة صباحا بالمحكمة الكائنة بشارع الجيش الملكي، برئاسة الأستاذ قابيل.وقد كان الحكم الابتدائي أدان الصحفي عبد الرحيم أريري مدير أسبوعية « الوطن الآن » بستة أشهر سجنا موقوفة التنفيذ، فيما قضت نفس الهيئة بالحكم النافذ بثمانية أشهر في حق الصحفي مصطفى حرمة الله عضو هيئة التحرير، مع غرامة ألف درهم لكليهما.  

الحكم المذكور لقي استنكارا واسعا من قبل الهيئات الإعلامية والحقوقية والنقابية داخل المغرب وخارجه. وتعود أطوار هذه القضية إلى 17 يوليوز 2007 عندما اعتقلت الشرطة القضائية الالصحفييم المغربيين أريري وحرمة الله من بيتهما وتفتيش دقيق لأرشيف الأسبوعية. وبعد احتجاز لمدة ثمانية أيام بمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في إطار الحراسة النظرية قرر وكيل الملك متابعة أريري في حالة سراح والاحتفاظ بحرمة الله رهن الاعتقال، ومتابعتهما بتهمة « حيازة أشياء متحصل عليها من جريمة »، وذلك على خلفية نشر أسبوعية « الوطن الآن » في عددها رقم 253 لوثائق تتعلق بالمؤسسة العسكرية وترتبط بحالة الاستنفار التي أعلنتها السلطات لمواجهة خطر الإرهاب

في النص الموالي يروي عبد الرجيم أريري التفاصيل الكاملة لقصة الثمانية أيام التي قضاها في معتقل المعاريف حيث مقر الشرطة القضائية. نتمنى سراحا عاجلا لزميله مصطفي حرمة الله حتى يروي لنا شهادته عن بؤس هذا الزمن الذي لازلنا نعتقل فيه من أجل الكلمة : 

الثلاثاء 17 يوليوز 2007 : زوار الصباح بدون هوية

زوار الليل ينهضون هذا اليوم، صباحا (السابعة والربع تقريبا)، ليعيدوا تذكيرنا بأنهم ليسوا شخوصا من الذاكرة، أو من معجم قديم. بل هم أمام عتبة بيتي غلاظا أشداء يضغطون على الجرس بقوة وعنف. اعتقدت، وأنا على الفراش، أن بواب العمارة ربما يريد أن يخبرني بأن عطبا ما حل بسيارتي، أو أن أحد السائقين دهس سيارتي كما حدث من قبل في حالات قليلة.. استيقظت بصعوبة.. فقد سهرت، في الليلة السابقة، إلى حدود الساعة الثالثة صباحا أعد موضوعا صحافيا. ما أن فتحت الباب، حتى اقتحم شقتي «كوماندو» مكون من 10أو 15 شخصا. لم أتبين العدد بالضبط، أولا، لأنني كنت شبه نائم، وثانيا لأن الطريقة التي تمت بها المداهمة كانت عنيفة جدا وخشنة.

أحدهم بادر إلى مطالبتي بتسليمه هاتفي النقال أولا، وأمر زميله أن يسحب الشريحة (La puce)، فيما شرع الآخرون في تفتيش المنزل وإثارة الفوضى في هذا البيت الآمن

كان رد فعلي الأول أن طلبت منهم أن يثبتوا لي أنهم من البوليس، لكن أحدهم أجابني بأنهم فعلا رجال أمن، وقد جاؤوا بناء على تعليمات النيابة العامة. سألتهم إن كان لديهم إذن يجيز تفتيش منزلي أو لديهم إذن مكتوب بخط يدي أسمح لهم بتفتيش منزلي، فرد علي أحدهم:

- واقيلا كتفرج في الأفلام المصرية والأمريكية بزاف!

بعد حوالي نصف ساعة من التفتيش المتواصل، كان «الكوماندو» قد أكمل مهمته، وحجز كل ما اعتقده «مهما» و»سريا للغاية»، حتى كمبيوتر أطفالي وأشرطتهم الخاصة (عيد الميلاد، رحلات، رسوم متحركة، أفلام، دروس إلخ..) تعرضت للحجز، إضافة إلى ما كنت قد كتبته في الليل تحضيرا لملف كنت أنوي نشره يوم 21 يوليوز 2007 (حوالي 25 صفحة بخط اليد). بعد ذلك، طلب مني مسؤول أمني تغيير ملابس النوم، واستبدالها بأخرى دافئة، مضيفا:

- يمكن تبقى بزاف عندنا!

نزلنا الأدراج، وعند باب العمارة طلبت من البواب أن يخبر زوجتي، التي كانت دفقة أبنائي يقضون الأيام الأولى من العطلة بأكادير، ويخبر معارفي بأن البوليس اعتقلني. لكن مسؤولا أمنيا نهر البواب بشكل مرعب، وهو الموقف الذي أثار استغرابي!

لما خرجنا من العمارة، سلمت الحارس الليلي للسيارات، الذي يعتاد البقاء إلى حدود الثامنة أو الثامنة والربع صباحا، وثائق سيارتي ليسلمها إلى زوجتي، لكن المسؤول الأمني نهره، هو الآخر، بشكل جعل الحارس يهرب خوفا على نفسه من مكروه. هنا انتابتني الحيرة والشك تجاه هؤلاء: كائنات فظة وقاسية القلب رفضت الإدلاء لي بهويتها، ورفضت تقديم أية بطاقة مهنية تبرز أنها بوليس، ثم استفزت البواب والحارس الليلي. وحتى تكتمل «الباهية»، طلبوا مني أن أصعد إلى سيارة مدنية لا تحمل أية علامة تفيد بأنها سيارة رسمية تابعة للأمن الوطني (سيارة لوغان خضراء- زيتية)

في هذه اللحظة تصورت أنني مقتاد إلى المجهول، ولذلك غافلت البوليس وأطلقت ساقي للريح قاصدا مقر كوميسارية زنقة عمر الريفي المجاورة لمنزلي (دائرة الشرطة الخاصة بحوادث السير) وأنا أصرخ بملء فمي:

- والبوليس، هادوا بغاو يخطفوني

انتبه إلي زبناء مقهى «ألباطروس» ومقهى «ياسمينة» المجاورتين لمنزلي، مستغربين للمشهد. لما وصلت إلى عتبة باب الكوميسارية طلبت من المسؤول المكلف، آنذاك، بالمداومة أن يحميني داخل مقر الكوميسارية، وأخبرته بأنني صحافي ومدير جريدة «الوطن الآن». لكنه خاطبني بنبرة «زنقاوية»:

- سير يا ولد القـ.. أنت والصحافة ديالك. هاذو راه بوليس غادين يديو ربك تح.. وتبرك على القرعة. ديو دين ربو… 

هذا السلوك ترك في نفسي تمزقا داخليا، إذ أوضح أن هؤلاء الذين يقتادونني إلى مصير مجهول «فوق البوليس»، وما زاد من ثقتي بأنني في قبضة رجال من حديد، رد الفعل الذي أبداه مسؤول كوميسارية زنقة عمر الريفي، حيث كانت فرائصه ترتعد من الخوف أمام الرجال الذين اعتقلوني، هنا أيقنت بأنني أمام جهة أمنية (شرطة أو مخابرات)

في هذه الأثناء، تم حشري بالقوة داخل سيارة «لوغان»، ووضعوا القيد في يدي: العميد ومساعده في المقاعد الأمامية، في حين انزويت في الخلف رفقة ثلاثة مسؤولين أمنيين. وطوال المسافة الفاصلة بين مكان اعتقالي ومقر إيداعي رهن الاعتقال في إطار الحراسة النظرية، كنت أتعرض لشتى أنواع السب الرخيص والمجاني.

مسؤول أمني واحد كان يشكل الاستثناء ضمن هذه الجوقة من «النكَارة»، فقد كان يستعمل معي قاموسا «أخلاقيا» مختلفا من قبيل

- حشوما عليك أسي أريري، والله حتى وريتك لا كارت ديال البوليس. أنت للي فيك لافوت، كنت مثمن أو سكران أو مقلوب بالنعاس

باستثناء هذا المسؤول، كان الآخرون يتفننون في استخراج كل المعاجم التي تزخر بالكلمات الساقطة (أولد الق….إلخ..). 

كتيبة رعب أثقلت لسانها بمعجم منحط!

في حدود الساعة الثامنة والربع أو الثامنة ،النصف تقريبا وصلنا مقر كوميسارية المعاريف الموجود بشارع إبراهيم الروداني. دخلنا عبر البوابة المجاورة لإعدادية محمد عبده، لحظتها فقط شعرت بـ «الأمن»، وعرفت أنني باتجاه مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية (Bnpj).

أنزلوني من السيارة والأصفاد في يدي، وأصعدوني إلى الطابق الأول مرفوقا بسيل من السب والقذف المجاني

أدخلوني المكتب، حيث بقيت تحت حراسة شرطي لمدة قاربت 15 دقيقة. بعدها حل نفس المسؤولين الذين اعتقلوني واصطحبوني إلى مكتب عبد الحق الخيام، رئيس الفرقة الوطنية. ما أن دخلنا حتى أمرهم هذا الأخير بنزع الأصفاد، طالبا مني، بحضور عدد هام من مسؤولي الفرقة الوطنية وأجهزة أمنية أخرى، أن أتصل بزميلي مصطفى حرمة الله. لكنني سألته:

- أولا علي أن أعرف لماذا أنا هنا.

أجابني الخيام:

- ستعرف الإجابة عن هذا السؤال بحضور مصطفى حرمة الله. لذا اتصل به وأخبره بأنك تنتظره في الجريدة أو في مقهى.

رئيس الفرقة الوطنية يطلب مني المستحيل، ولذلك قلت له:

- لن أقوم بذلك، وإذا رغبتم في أن أتصل به، فسأقول له بأنني معتقل في مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ليخبر زملائي بالجريدة والمحامي.

ألح علي في الطلب. قلت له:

- أنتم اعتقلتموني من منزلي. وأنتم بوليس وتعرفون أين يسكن مصطفى، فإذا كان عندكم أمر باعتقاله فما عليكم سوى الذهاب إلى حيث يسكن.

في هذه الأثناء، طلب منهما أن يعيدوني إلى المكتب الذي كنت أجلس به وطلب منهم أن يحضروا لي شيئا آكله في الفطور. فقام المسؤول الأمني الذي اعتقلني من المنزل بإعادة الأصفاد إلى يدي. بقيت، على تلك الحالة، محروسا من طرف شرطيين لمدة قاربت ساعتين أو ثلاث إلى أن جاءني مسؤول آخر بدا تعامله أكثر لطفا وأحضر لي كأس حليب وهلالية (كرواسة) وقال لي:

- شوف أسي أريري، أنت هربت لينا في الدرب ديالك. ودابا غادي تمشي مع الناس ديالنا وبلا ما نوصيك.. بلا هروب.

أجبته:

- أولا أنا لم أهرب. هؤلاء رفضوا أن يكشفوا عن هويتهم. الإنسان الذي يزاول مهنة ما لا يخجل من الإعلان عن هويته المهنية. وإذا كان الخجل متربصا به في مكان ما، فما عليه سوى تغيير المهنة. أنا هربت لأني اعتقدت أنهم مافيا أو عصابة مسخرة من طرف أعداء الجريدة الذين نفضحهم.

ربت على كتفي وقال:

- صافي، أصاحبي سير معاهم.. يكون خير.

وفعلا توجهت، بلا أصفاد، رفقة مسؤولين على متن سيارة واصطحبوني إلى مقر «الوطن الآن».

ما أن وصلت إلى هناك حتى وجدت فيلقا أمنيا يضم حوالي 20 أو 30 مسؤولا أمنيا. كان التوتر قد بلغ حدة قصوى بين أعضاء هيأة التحرير والبوليس. ولما رأيت مصطفى حرمة الله عرفت أنه اعتقل بمنزله هو الآخر بحي الألفة، وتم إحضاره إلى مقر الجريدة

بمقر الجريدة طلبوا مني فتح باب مكتبي. دخل معي اثنان مكلفان بفحص الحاسوب وتفتيشه ورصد ما يرد فيه، بينما لحق بهما خمسة آخرون كلفوا بالتنقيب في أرشيفي الخاص الذي كان عبارة عن مجموعة من العلب الكارطونية الكبيرة، كل علبة على حدة كانت مخصصة لمحور معين ومعنونة، أجمع فيها مختلف الوثائق والمراسلات وقصاصات الجرائد والبيانات الحسابية والتصريحات والمخطوطات، بل حتى المسودات التي أعتمدها لإنجاز ملف أحتفظ بها في هذه العلب، متضمنة كل التفاصيل حول الأسماء ومكان اللقاء والسياق وأسباب النزول..

في هذه اللحظة تصاعد التوتر بحدة في ردهات مقر الجريدة بين هيأة التحرير وباقي البوليس الذين منعوا المصورين من التقاط الصور (مصور الجريدة ومصورو الجرائد الأخرى).

بعد إنهاء التفتيش حجزوا 19 علبة كارطونية تهم مواضيع متعددة: الأمن العسكري، الدرك، البحرية الملكية، المخابرات، الأمن الوطني، وزارة الداخلية، الأمن الوطني، حاشية الملك، الأمن الملكي، رسائل الجيش، مولاي هشام، العسكر وعمليات حفظ السلام.. فيما تركوا العلب الأخرى علما أن من بين هذه المواضيع ما يوجد بخصوصه ثلاث علب كارتونية أو اثنتان. كما حجزوا حاسوبي الشخصي ومذكرة هواتفي المهنية. وتم اقتيادي، من جديد، إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية

ما أن وصلت إلى هناك حتى عاد المسؤول الأمني الأول الذي اعتقلني من المنزل وطلب وضع الأصفاد بيدي من جديد، ليبدأ مسلسل التحقيق

من حسن الحظ أن التحقيق لم تتوله الخلية الأولى التي اعتقلتني، بل أسند إلى خلية أخرى كانت أكثر احترافية ومهنية وإنسانية في أداء مهمتها.

صحيح أن المسؤولين الأمنيين الذين حققوا معي، طوال ساعات كانت تمتد إلى الليل، كانوا صارمين في أسئلتهم وإلحاحهم لدرجة أنهم لا يترددون في طرح أي سؤال يتوخون منهم استخراج معلومة ما. ولكن مع ذلك ـ وللأمانة ـ كانوا يتعاملون معي في إطار القانون بدون سب أو عنف. وكانوا كلما انتبهوا إلى ملامح التعب أو العطش علي أمهلوني فترة لأسترجع أنفاسي (15 أو 20 دقيقة). ويحضرون لي الماء والقهوة

في اليوم الأول، انصب التحقيق بالأساس على معرفة الكيفية التي حصلت بها الجريدة على الوثائق المنشورة في العدد 253، والصادرة عن مديرية مراقبة التراب الوطني، وعن المكتب الخامس للجيش حول حالة التأهب لمواجهة الارهاب

وكنت كلما طلبت الاتصال بالعائلة أو بالجريدة أو بالمحامي، يتم الرد علي بأن ذلك سيتم من بعد

- لا تلح على هذا الطلب، فكل الصحافيين بجريدتك عرفوا أنك عندنا

وبينما كان المحققون يتناوبون في طرح أسئلتهم، إذا بمسؤول يدخل إلى المكتب ويطلب مني اصطحابه من جديد إلى الجريدة، لأنهم نسوا الوثائق التي نشرناها في العدد .253 وها هو يرافقني صحبة زملاء له في الفرقة الوطنية لنعود، من جديد، إلى مقر الجريدة، وليتم أخذ النسخ التي نشرناها في العدد المذكور

بعد عودتي، تم تكبيلي بالأصفاد من جديد. طلبت من المحقق أن يزيل هذه الأصفاد، فأنا لست مجرما حتى أعامل بتلك الطريقة. استجاب المحقق لطلبي وأمر بنزع الأصفاد واستمر في التحقيق معي، رفقة عدد من المسؤولين الأمنيين، إلى حدود ساعة متأخرة من الليل أحسست خلالها بإنهاك حقيقي. حينها حضر مسؤول آخر وطلب مني نزع الحزام من السروال وتسليمه كل ما بحوزتي من نقود (كانت في جيبي حوالي 1000 درهم) ووثائق السيارة والبطاقة البنكية ومفاتيح السيارة. حينها علمت أنني لن أغادر مقر الفرقة الوطنية، وأنني سأحل «ضيفا» على البوليس في تلك الليلة

هنا، طلبت من المحقق أن يجيبني عن سبب اعتقالي والتهمة الموجهة إلي، فأجاب بأنني «قربلتها في البلاد، والدنيا مقلوبة على جريدة «الوطن الآن»، لأننا نمس بالأمن الخارجي للمغرب».

ضحكت لنوع التهمة الموجهة، وقلت للمحققين:

- هذا كلام كبير. الجريدة لم تقم إلا بعملها.

رد أحدهم:

- حنا للي كيهمنا هو نعرفو منين جاتكم الوثائق.

قلت له:

- أنا ناشر، وأي ناشر حصل على تلك الوثائق لا يتردد لحظة واحدة في نشرها لأنها ذات قيمة إعلامية

استمر الحال على هذا المنوال إلى حدود الثانية أو الثالثة صباحا. حينها أخبرني المحقق بأن المسؤولين قرروا، بسبب وضعنا الاعتباري كصحافيين (يقصد أنا وزميلي حرمة الله)، عدم إيداعنا بالزنازن الموجودة في الطابق السفلي، وقرروا، بالتالي، أن ينام كل واحد منا في نفس المكتب الذي يتم فيه التحقيق

عادة لا أحفظ أرقام المكاتب أو غرف الفنادق، لكن ذاكرتي لن تنسى رقم المكتب 61، إذ في هذا المكتب قضيت في ضيافة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية سبع ليال وثمانية أيام (من يوم الثلاثاء 17 يوليوز إلى الثلاثاء 24 يوليوز 2007).

رافقني العميد الذي كان يحقق معي وسلمني فراشا (بونجة) وغطاءين (مانطتين)، وقال لي:

- والله هاذ الفراش إلى نقي. حنا كنعسو فيه ملي كتكون لخدمة بزاف. ثم نادى حارس الأمن وأمره بأن يلازمني كالظل إلى الصباح. تمددت على الفراش، وبعد حوالي 15 أو 20 دقيقة حضر مسؤول آخر، وأمر حارس الأمن بأن يضع الأصفاد في يدي. وهي الوضعية التي بقيت عليها إلى الصباح
 

الأربعاء 18 يوليوز 2007 : بولفاف.. أمام تهمة الخيانة العظمى

في الساعات الأولى من صباح هذا اليوم، حضر حارس أمن جديد ومعه الفطور (كأس حليب بالقهوة وخبز بالزبدة والمربى)، ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى حل المحققون من جديد ليوجهوا ذاك السؤال الروتيني:

- كيف حصلتم على الوثائق ؟

أجبتهم بأنني كمدير لا أهتم بمصادر الصحافيين العاملين معي، لأن ما يهمني هو صحة المعلومات والوثائق التي يحصلون عليها. أما نوعية وهوية مصادرهم فلا تهمني في شيء، خاصة وأن الجريدة لم يسبق أن عاشت حدثا تم فيه الطعن، أو ألصقت بها جريرة الزور أو البهتان، لم يحدث ذلك أيام «البيضاوي»، كما لم يحدث في «الوطن الآن».

رد علي المحقق:

- من المستحيل أن نصدقك.

مضيفا:

- هل تضحك علي؟ أنت مدير، فكيف لا تسأل صحافييك عن المصدر الذي يزودكم بالوثائق

فأجبتهم بأن الصحافي مصطفى حرمة الله من أنجب الصحافيين في المجال الأمني، ولا يهمني أن أعرف مصادره، أنا ناشر أهتم بصدق ووثوقية ما أكلفه به، وأنا أتحمل المسؤولية القانونية في كل ما أنشره مع تحملي كل تبعات ذلك. بالمناسبة، ليست هذه هي المرة الأولى التي ننشر فيها وثائق ومعلومات، فقد نشرنا العشرات منها دون أن يطعن فيها أحد. وهو ما جعلني أثق فيه كما أثق في باقي الصحافيين ثقة كبيرة، خاصة وأن الثقة هي رأسمالنا جميعا في العمل الصحفي.

قال المحقق:

- حتى لو أدت هذه الثقة بالجريدة إلى الهلاك وتشويه الجيش.

أجبته:

- أنا لا أرى أي هلاك في الموضوع. نحن صحافيون. قمنا بواجبنا، ولا يهمنا هل هناك شكوك في هذا الجهاز أو ذاك. وكمدير جريدة فما يهمني، بالأساس، هو تحقيق السبق الصحفي وتعزيز المقالات التي نعدها بالوثائق، أو بالتصريحات الصادرة عن المسؤولين المعنيين بموضوع النشر.

وكان كلما بلغ التوتر ذروته بيني وبين المحققين، يخرج المسؤولون من المكتب، للتشاور مع ممثلي السلطات المتعددة التي اتخذت من مكتب رئيس الفرقة الوطنية «قيادة عامة لإدارة الملف والتحقيق معي ومع زميلي حرمة اللهّ».

وأنا أخضع للتحقيق، إذا بالعميد الأول الذي اعتقلني من المنزل يأتي ويطلب اصطحابي إلى حيث أسكن. ولما سألته عن السبب قال لي: سنذهب لنفتش سيارتك. وبالفعل ذهبنا إلى حيث أسكن وقام، رفقة ثلاثة من مساعديه، بتفتيش سيارتي دون أن يعثر على ما يفيد البحث. فعدنا من جديد إلى معتقل المعاريف

في هذا اليوم، لاحظت أن المحققين كانوا جد متوترين، بدليل أن عددا منهم كان لا يخفي توتره ونرفزته خلال مجرى التحقيق، وهو ما سأفهم سره بعد الإفراج عني، حينما بلغني المحاميان الأستاذ جلال الطاهر والأستاذ الحسني الإدريسي أن الفرقة الوطنية كانت مطالبة بإنجاز مهمتها في ظرف 48 ساعة، فبدا أنهم عجزوا عن إنجاز مهمتهم، مما صعب عليهم وعلى المسؤولين المركزيين المهمة وخلق لهم الإحراج بشأن قضيتنا.

وكما جرى يوم الثلاثاء، استمر التحقيق في هذا اليوم أيضا إلى ساعة متأخرة من الليل. الأسئلة تتكرر والأجوبة تتكرر بدورها، وضغط الوقت يمزق الأعصاب والمشاعر ويربك الأنفاس! ورغم أن المحققين كانوا يحضرون لي الأكل، إلا أنني لا أتناوله بسبب فقدان الشهية، لكن حين تبين لي أنني سأقضي الليلة الثانية في ضيافة البوليس، وبعد أن أنهكني الجوع، طلبت من أحد المحققين الذي كان يتولى التحقيق معي أن يأتيني بشيء آكله. فقال لي:

- ماذا تريد؟

قلت له:

- بغيت بولفاف..

استغرب وضحك رفقة زملائه قائلا:

- واش درتيها بصح، حنا محترمينك كصحافي. واش كتصاحب راسك في أوطيل خمسة نجوم!

أجبته:

- أنتم تتهمونني بالمس بأمن الدولة الخارجي، أي بالخيانة العظمى، وعقوبة هذه الجريمة هي الإعدام، على الأقل حققوا لي آخر طلب قبل إعدامي.

المزاح قد يبدد سوء الفهم، من يدري؟

في هذه اللحظة حل العميد الذي تكلف بي، وأمر حارس الأمن بأن يحضر لي ساندويشا ومشروبا غازيا، وطلب من المحققين أن يتركوني أنام إلى الصباح

في الواقع لم أنم، لأن ماراطون التحقيق وزيف الاتهام وتضخيمه، والإحساس بـ «الحكرة» وأنت تتهم بـ «الخيانة العظمى تجاه بلدك» كلها متاهات تجعل النوم بعيدا والقلق مضاعفا.

غادر المحققون المكتب الذي يستنطقونني فيه، في الساعة الثانية أو الثالثة صباحا دون أن أنام. وعلى عكس الليلة الأولى، أمر المحقق الذي تولى ملفي بنزع الأصفاد من يدي، وهو ما تم طوال المدة التي بقيت فيها معتقلا إلى يوم الثلاثاء 24 يوليوز 2007، حيث كان التحقيق يتم معي بلا أصفاد وصار النوم بلا أصفاد.

موازة مع التحقيق الذي كان يتم معي ومع الزميل حرمة الله، كانت هناك فيالق أمنية واستخباراتية وعسكرية تقوم بدراسة كل المحجوزات التي صودرت من مكتبي، إذ تم نسخها وتسليمها لفرق أمنية أخرى لدراستها وتحديد الأسئلة الواجب طرحها علي. وهذا ما سأكتشفه في اليوم الثالث من الحراسة النظرية.

وعودة إلى «بولفاف» لن أنسى السلوك النبيل لذاك الضابط الذي بادر من تلقاء نفسه (بقي متذكرا طلبي الذي قدمته في إطار السخرية)، وأحضر لي فعلا في إحدى الليالي «ساندويتش بولفاف». وهكذا نجحت في أن آكل «بولفاف» وأنا رهن الاعتقال.

الخميس و الجمعة 19 و 20 يوليوز 2007 :  قضاء صحافي وبوليس مكلف فقط بقضايا الصحافة!

ابتداء من هذا اليوم، سيبدأ المحققون في توسيع إطار الأسئلة التي لم تعد مقتصرة على ما نشرناه في العدد 253، بل تعدته إلى ما سبق أن نشرناه في أعداد سابقة «البيضاوي» و»الوطن الآن»، وما حجز من وثائق ومعلومات خطية بمكتبي، خاصة ما يهم البحرية الملكية والدرك الملكي والأمن العسكري والأمن الوطني.. 

كان الانشغال الرئيسي للمحققين هو معرفة الصيغة التي تمكنت بواسطتها من حيازة هذه الوثائق والمعلومات والصور

حاولت أن أشرح مرارا للمحققين أن عددا من المعلومات متوفرة بسهولة، في المجلات والخطب والإعلانات (حاجة البحرية الملكية ،مثلا، إلى توظيف رجال الضفادع موضوع تم تطويره صحافيا انطلاقا من إشهار نشرته قيادة الجيش في الصحف. ثم إن هناك معلومات حول الأمن الوطني والعسكري تنشر بمجلات رسمية للبوليس وللجيش، نحن نستوحي منها أفكارا وصيغا جديدة تساعدنا على رسم خارطة طريق لمعالجة موضوع معين).

كان المحققون، رغم هذه التوضيحات، يركزون فقط على القنوات التي ربطت الجريدة معها الجسور. وهو ما كنت أرد عليه بنفس الجواب:

- أنا بوصفي مدير نشر أثق في الصحافيين، وكل صحافي ملزم بنسج شبكة من العلاقات دون أن أتدخل فيها بالضرورة. إنني لا أهتم بمصادرهم، لأن ما يهمني هو صدق ووثوقية المعلومة أو الوثيقة التي أحصل عليها في هذا المجال أو ذاك: مضيفا أن كل ما نشرناه وساهم فيه مصطفى حرمة الله، على مستوى الأمن أو الجيش، كان صحيحا مائة في المائة ولم نتوصل حتى ببيان توضيح، فأحرى ببيان حقيقة. وبالتالي شكل ذلك، بالنسبة للجريدة، صمام أمان، وزاد من ثقتي في مصادره التي لا تهمني، ولم أهتم بأن يكشف لي عنها، لأن ما يهمني هو السبق الصحافي ودقة المعلومات المنشورة. وكلما ألحوا في السؤال، أقول للمحققين: «إن نصيحتي للصحافيين العاملين معي بسيطة، وهي مفتاح عملي، أنا أقول لهم: لكم الحق في أن تتصلوا هاتفيا بأي مسؤول مهما علا أو صغر شأنه، أتعلق الأمر بمدير الديوان الملكي أو بمحافظ مقبرة بئر طمطم!!». 

كنت أحس بأنني أكرر نفسي، لكن ما العمل؟ للحقيقة وجه واحد ولذلك قد تبدو مملة!

ومع ذلك، فكل التوضيحات التي أقدمها لم تشفع لي، حيث كان أكثر من محقق يعيد السؤال:

- هل سبق لك أن تعاملت مع جهة أجنبية ؟ هل سلمت هذه الوثائق لجهة معادية للمغرب أو غير معادية؟ هل تعرف فلان بن فلان بالمكتب رقم 3 أو رقم 5 بالجيش؟ لماذا تحتفظ بوثائق لم تنشرها، حجزناها بمكتبك يوم 17 يوليوز؟ ماذا كنت تنوي أن تعمل بهذه الوثائق غير المنشورة بجريدتك، خاصة أن بعضها يعود تاريخه إلى أكثر من سنة؟ 

ماهي علاقتك بمولاي هشام؟ 

مع تكرار نفس الأسئلة، لم أملك إلا أن أجيب بأن المغرب لم يكن ملزما بخلق قضاء إداري أو تجاري بالنظر إلى خصوصية هذه الملفات مقارنة مع القضاء العادي، بل كان ملزما بخلق قضاء صحافي وبوليس مكلف فقط بقضايا الصحافة حتى يسهل تتبع ملفاتها ودراستها، والاستغناء عن طرح أسئلة نعتبرها كصحافيين بديهية، من قبيل أن الناشر بأي منشأة له سلطة تقدير نشر هذه المعلومة أو تلك، وله سلطة إرجاء موضوع إلى حين توفر الظروف المناسبة، وهو ما نسميه «أسباب نزول المقال الصحافي». 

خصوصية ملف «الوطن الآن» الذي عرض على أنظار الفرقة الوطنية للشرطة القضائية هو ما يفسر ذاك الكم الهائل من المحاضر الموقعة: من محاضر الحجز والتفتيش ومحاضر تسليم 19 علبة كارطونية وأغراض شخصية ومكتبية، فضلا عن تلك المحاضر التي كنت أضطر إلى المطالبة بإعادة نسخها وتصحيحها قبل أن أوقع عليها، إما بسبب أخطاء مطبعية تحرف المعنى، أو بسبب صياغة لغوية تخلق تأويلات غير محمودة العواقب. هذا دون الحديث عن محاضر المواجهات التي كانت تتم بحضور أكثر من مسؤول أمني، وكل واحد يركز في تدخله على محور معين بشكل يبرز أن هناك «مايسترو» سبق أن قام بتنسيق التدخلات وتوزيع المحاور على العمداء المحققين.

السبت 21 يوليوز 2007 …وماتلاه : أسي الخيام راك معروض عندي للحفلة!

مع انصرام 96 ساعة الأولى (4 أيام من الحراسة النظرية) كنت أعتقد أن الفرقة الوطنية ستسلمنا للمحكمة، إلى أن تم إخباري من طرف المحقق أن «أصحاب المكان» لا يزالون يرغبون في أن تطول «الضيافة». 

تمديد فترة الحراسة النظرية صباح يوم السبت أقلقني حقيقة، خاصة أنني لم أغير ملابسي منذ اعتقالي يوم الثلاثاء 17 يوليوز، حيث كنت متيقنا من أن الملف فارغ، ومن أن البوليس سيفرج عني غدا، وبالتالي لا داعي لأزعج زوجتي بإحضار الملابس، فما أن أخرج في الغد) حتى أذهب للحمام لأغتسل من أدران الحبس

إلا أن هذا الغد تمطط وأصبح أربعة أيام، فتمدد مرة ثانية يوم 21 يوليوز لأربعة أيام أخرى، وهو ما جعلني أخاطب رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية موجها له دعوة شخصية: – غدا أسي الخيام راك معروض عندي للحفلة ديال الزيادة!

ابتهج رئيس الفرقة الوطنية، وفي نفس الوقت تأسف لأنه لن يحضر «الحفلة» من جهة، ولأنني معتقل من جهة ثانية، ولذلك لن أتمكن من ترتيب «حفلة الزيادة». لكنني أوضحت له أنني لا أعني بـ «الزيادة» ولادة طفل آخر، بل إنني من فرط الوسخ والعرق ستولد «الديدان» في حذائي، وفي جسدي وملابسي

في هذه اللحظة، فهم رئيس الفرقة الوطنية «الميساج» وأمر مساعده بأن يتصل فورا بزوجتي، التي عادت إلى البيضاء من أكادير بعد إخبارها بالاعتقال يوم الثلاثاء، لتحضر لي ملابس جديدة ومعجون الأسنان ولوازم الحلاقة. وهو ما تحقق فعلا، حيث أعطيت التعليمات للحراس بأن يصطحبوني إلى «الدوش» لأغتسل. نفس المعاملة تمت مع زميلي مصطفى حرمة الله.. 

في الوقت الذي كنت ألح على معرفة تاريخ خروجي من معتقل «المعاريف» في المحطة الأولى من الحراسة النظرية، (أي الأيام الأربعة الأولى) حولت المحطة الثانية (الأيام الأخيرة) دماغي إلى مايشبه DISQUE DUR أسجل فيه كل شاذة وفاذة بـ «مملكة» عبد الحق الخيام، من جهة لأتجاوز محنتي مع البوليس، ومن جهة ثانية لأستغل وجودي هناك لإنجاز روبورطاج تاريخي حول الفرقة الوطنية للشرطة القضائية (انظر الصفحة 10).

الاثنين 23 يوليوز 2007 : فرحة لم تكتمل

صباح يوم الإثنين 23 يوليوز 2007، يخبرني أحد المحققين بأن أرشيفي المحجوز سيرجع إلي، وطلب مني مدهم بمن سيتصلون به لتسلمه، فأعطيتهم رقم هاتف رشيد الصولدي المصور بالجريدة، الذي حل بمقر الفرقة الوطنية بعد أن اتصلوا به، وتسلم الأرشيف بعد أن وقع ووقعت معه. وفي مساء نفس اليوم سأعلم أن موعد إحالتي على المحكمة قد اقترب، إذ زارني العميد الذي كان ينسق التحقيق في قضيتي، وأخبرني بأن أجهز نفسي يوم الثلاثاء صباحا حتى أكون مستعدا لمواجهة التهم التي سيطرحها علي وكيل الملك بالمحكمة. ثم ودعني رفقة مساعديه طالبا من الله أن «يفك أمري». 

وفعلا، حل صباح يوم الثلاثاء 24 يوليوز 2007، وحلت معه فرقة أخرى رتبت إجراءات ترحيلي- وزميلي حرمة الله- من مقر الفرقة الوطنية إلى المحكمة، حيث طلب منا التوقيع على سجلات المغادرة والتأكد من أننا لم ننس أي شيء في المكاتب التي كنا معتقلين فيها طوال مدة الحراسة النظرية.. 

في الساعة 9 صباحا ركبنا سيارة الأمن من نوع «صطافيت» صحبة ستة من رجال الشرطة، إضافة إلى الضباط المكلفين بمرافقتنا إلى المحكمة.

ما أن وصلنا إلى المحكمة حتى تم اقتيادنا إلى القبو. مكثنا في سيارة الأمن حوالي ثلاث ساعات، لم نغادرها إلا في حدود الساعة 11و45 دقيقة لمدة 5 أو 7 دقائق لقضاء الحاجة (المرحاض). 

كانت هذه المدة (أي ثلاث ساعات) هي الفترة الوحيدة التي التقيت فيها مع مصطفى حرمة الله منذ اعتقالنا يوم 17 يوليوز .2007

حين أطلق سراحي، استعدت العالم بين كفي، وسعدت بالتفاف المغرب حول «الوطن الآن»، لكنها كانت سعادة غير مكتملة في انتظار الحرية لمصطفى حرمة الله


Actions

Informations



Laisser un commentaire




ziktos |
ptah-sokar (mangas-musiques) |
Chambre Professionnelle d'A... |
Unblog.fr | Annuaire | Signaler un abus | boghassa
| Monde entier
| com-une-exception, l'actual...